زخرف المصريون حوائط أبنية زوسر الجنزية، الكائنة تحت الأرض، من عصر الأسرة الثالثة، ببلاطات من قيشاني.
وكذلك صنعوا التماثيل والأواني والتمائم، من قيشاني بمختلف الألوان. وكسوا به النقوش الجدارية والزخارف، فضلا عن قطع الأثاث، المحلاة بعجينة الزجاج أو الزجاج الملون.
أما أواني الزجاج متعدد الألوان، فلعله تم صناعته لأول مرة في سوريا، ثم حمل إلى مصر ضمن الهدايا أو المقايضة بمنتجات مصرية منذ مطلع الدولة الحديثة.
ومع ذلك يبدو وكأن المصريين أنفسهم نجحوا في إنتاج أوان من زجاج متعدد الألوان في ورشهم، على نفس الطراز الأجنبي، وبنفس التقنية التي تم نقلها عن سوريا.
الحرّف > صناعة الزجاج
ظهر الزجاج، بشكل قيشاني، في مصر من العصر الحجري الحديث في حضارة البداري؛ بالقرن الخامس قبل الميلاد. وربما دخلت معرفة صناعة الزجاج من الشرق الأدنى؛ وظهرت بمصر، أول ما ظهرت، حوالي الأسرة الثامنة عشرة (نحو 1550 – 1292 ق.م.). وكانت معظم قطع الزجاج المبكرة على شكل خرز. وكان اقتناء منتجات الزجاج في عصر الدولة الحديثة نوعا من الترف؛ حيث صنع على شكل زهريات، كما طعمت به زخارف الأثاث والجدران.
وكانت درجة حرارة انصهار السليكا أعلى مما عرفت الصناعات القديمة. ولكن إضافة القلويات، مثل الصودا والبوتاس يخفض درجة حرارة الانصهار. وكان الجير يضاف؛ لتثبيت الخليط. ولصناعة الزجاج الخام، كان المصريون القدماء يطحنون المواد لتحويلها إلى مسحوق دقيق بأعلى درجة ممكنة؛ قبل تسخينها. وكان الزجاج القديم يلون بإضافة صبغات؛ مثل مركبات النحاس والحديد، إلى الزجاج الخام – للحصول على اللون الأزرق المخضر؛ وأكسيدات النحاس للحصول على اللون الأحمر أو البرتقالي، ومركبات الكوبالت للحصول على اللون الأزرق المعتم.
وكانت الطريقة الأكثر شيوعا، لصنع الزجاج في عصر الدولة الحديثة، هي بتشكيل قلب أو لب من الطين المخلوط بالروث أو المواد النباتية؛ على هيئة الجزء الداخلي للوعاء. ثم يغمس القلب في الزجاج المنصهر؛ أو أن يصب الزجاج المنصهر عليه. وبعدها تدحرج القطعة على سطح أملس لكي تصبح ملساء؛ ثم يزال خليط الطين بداخل القطعة بعد أن تبرد. واستخدام القوالب كان أيضا من طرق تشكيل الزجاج؛ وفيها كان يصب الزجاج المنصهر في قالب، أو أن الزجاج المطحون كان يسخن داخل قالب. وكانت كتل الزجاج تقطع (لتشكل) على البارد، مثلما تقطع الكتل الحجرية عند تشكيلها؛ ولكن تلك الطريقة كانت بالغة الصعوبة، فلم تكن شائعة.
وفي العصر البطلمي انتشر الزجاج بمصر، لأغراض الاستخدام اليومي؛ في الأطباق المسطحة والعميقة والأواني والكؤوس والمصابيح والقلادات وفي تطعيم الحلي، أو المرايا. وفي العصر الروماني، حوالي القرن الثالث الميلادي، طورت صناعة الأواني الخزفية المطلية بطبقة لامعة. وكانت إشابة (خليط معدنيّ) النحاس والفضة تضاف إلى الأصباغ التي يطلى بها الزجاج. وكانت الأصباغ تندمج في الزجاج؛ فتعطي لونا داكنا أو باهتا؛ حسب درجة حرارة الحرق. وبدأت آنية الزجاج المصنوعة من قوالب، في الظهور؛ بحلول العصر البيزنطي.
وبعد فتح عمرو بن العاص لمصر، عمل العرب على تطوير صناعة الزجاج وابتكار الكثير من الأدوات والطرق التي لم تكن مستخدمة في العصور السابقة. ففي نفخ الزجاج أصبح استخدام "البونتيل"، وهو قضيب يمسك بقاع الإناء، شائعا في ذلك العصر. وكانت الكتل الخشبية من بين الأدوات الأخرى المستخدمة في نفخ الزجاج، لتشكيل الزجاج المنصهر على هيئة كرة قبل نفخه؛ والمدوار لتشكيل فم الوعاء والمقص، لتقليم الزجاج الزائد أثناء النفخ. واستخدم في إنتاج زجاج ذلك العصر، نوعان من القوالب؛ نوع من جزأين بمفصلة، حيث ينحت النموذج داخليا – عادة بأشكال هندسية ونباتية؛ والآخر قالب غمْس، حيث ينفخ الزجاج بداخله – ثم يستكمل نفخه خارجيا مما يجعل الشكل أقل تميزا.
ويتميز زجاج ذلك العصر بحليات مركبة، مقرونة بآيات قرآنية وكتابات أخرى؛ منفذة بخطوط زخرفية فنية. واستخدمت عدة طرق في زخرفة الزجاج؛ منها الطريقة الساخنة التي نقش فيها الوعاء بينما لم يزل دافئا. وكانت تصب أذيال من الزجاج الساخن على الوعاء لزخرفته بشكل حلزوني، أو أن يدمغ الوعاء بنموذج محفور على ملقاط ساخن. وكانت أذيال الزجاج تمشط بأداة مسننة؛ في أشكال متموجة، أو مقوسة أو في حلقات. وكان الزجاج المنفوخ يزخرف أيضا بطريقة القطع التي تشمل: الحفر المخربش، والقطع السطحي، والقطع البارز والغائر. وكان الزجاج الملون يطلى بأصباغ تحتوي على الفضة والنحاس ثم يحمى عليه في النار؛ لصهر الألوان في الزجاج. ولطلاء الزجاج بالمينا أو الذهب، كانت توضع على سطح الوعاء سابق التشكيل مساحيق الزجاج والذهب؛ ثم يحمى عليه في النار.